قبيل الاعياد الاخيرة برز مَن يتحدث عن عنصر إيجابي اقتحم للتو مشهد الصراع المحتدم حول الشغور الرئاسي الفارض ثقله على المشهد السياسي اللبناني منذ اكثر من عام وخمسة أشهر، ويتمثل في ان “حزب الله” أحد أبرز المتهمين بعرقلة الطريق أمام بلوغ هذا الهدف المنشود، قد أبلغ اخيرا الى رُسل وموفدين التقاهم انه بات منفتحا على عرض الفصل بين الاستحقاق الرئاسي وبين الوضع المتوتر الناجم عن حرب المواجهات مع الاسرائيليين في غزة وعلى طول الحدود الجنوبية.
بالطبع ثمة مَن استبشر خيراً بهذا التطور واعتبره خرقاً في جدار الأزمة الرئاسية، بل وجده مؤشراً الى تطورات ايجابية مرتقبة على هذا الصعيد، وازداد منسوب التفاؤل بهذا الامر عندما جاء على شكل عرض ورد على لسان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في إحدى اطلالته الاعلامية الوفيرة في الاشهر الاخيرة، وخصوصا مع ازدياد احتفالات التأبين التي يقيمها الحزب لعناصره.
ومن المفارقات ان هذا الامر ظل محصوراً عند هذه الحدود إذ لم يبادر الحزب بعد كلام الشخص الثاني فيه الى تكرار العرض الانفتاحي المفاجىء أو تقديم مزيد من الايضاحات حوله، بل بدا وكأنه يسحبه من خطابه السياسي الدائم، في حين ان المعنيين بالشأن الرئاسي والجاعلين منه همّاً أساسياً لهم قد تجاهلوا الى حد بعيد هذا المستجد النوعي وكأنهم لا يريدون تصديقه أو الترويج له، أو كأنهم جنحوا الى اعتباره واحداً من اثنين:
– مناورة سياسية بدا الحزب بحاجة ماسّة اليها بهدف استيعاب الضغوط المتصاعدة عليه والتي تحمّله وحده مسؤولية ادامة الشغور الرئاسي وما يتبعه من فوضى في الوضع عموما وترهّل في مؤسسات الدولة، وذلك لرفضه التنازل عن موقفه المبدئي المعلوم وهو التمسك بمرشحه الحصري زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية وقفل كل الأبواب أمام النظر بالخيار الثالث المطروح من اوسع الفئات.
– وتزداد حاجة الحزب الى هذا الموقف المرن ظاهراً لكي يدرأ عن نفسه تهمة “أسر” الواقع اللبناني والقبض على زمامه من خلال ذهابه الى حرب الإسناد لغزة ومن ثم رفضه كل العروض التي أتته لحل الازمة الرئاسية.
وعليه، فان عدم حفاوة فريق المعارضة بخطوة الحزب هذه يبدو عائداً الى قناعته الضمنية الراسخة بانه (الحزب) لم يبلغ بعد مرحلة القناعة الجدية بالتوجه الى الخيار الثالث.
وإذا كان واضحاً ان معارضي الحزب لم يأخذوا في الاعتبار موقف الحزب ويمضوا اليه لاستيضاحه تفاصيل العرض الذي يلمّح اليه وأبعاده، فان السؤال المطروح: ما هو جوهر الدافع الذي حدا بالحزب الى اطلاق هذا الموقف الجديد؟ واستطرادا ما مدى جديته؟ وهل من عرضٍ خفيّ قد أتاه في هذا الشأن ووجده جديراً بالمناقشة كونه يعزز رؤيته المبدئية المعروفة والتي يظل مصراً على التمسك بها؟
في المشهد الاوسع، ينفي عضو كتلة “الاعتدال الوطني” النائب سجيع عطية في اتصال معه وجود أي تطور حاسم طرأ على الملف الرئاسي، خصوصا ان الكتلة تسعى منذ فترة الى تسويق مبادرة نوعية في هذا الصدد استرعت انتباهاً واهتماماً وينتظر ان يكون للحزب رده عليها بعد طلب مهلة للدرس والمناقشة. ويقول لـ”النهار” عشية اجتماع وفد الكتلة مع كتلة نواب “حزب الله”: “الحقيقة ليس لدينا أي معطى جديد حاسم، ونحن ننتظر عودة الخماسية الى التحرك مجددا لكي نترافق سوياً ونناقش معاً الجولة الثانية على القوى والكتل التي نعتزم القيام بها، مع التأكيد انه تم تذليل العديد من الاشكاليات والعوائق التي كانت تعترض مهمتنا، وبقيت فقط نقطتان في الشكل هما توجيه الدعوة الى جلسة ورئاسة الجلسة. واعتقد انه اذا ما صار التوقيت مناسباً فلا مشكلة فيهما”.
وعلى رغم ذلك، فان مصادر على صلة بالحزب لا تستبعد اطلاقا ان يكون الثنائي الشيعي قد تلقّى في الآونة الاخيرة عرضاً “مغرياً” في هذا الشأن فشاء ان يردّ على التحية بمثلها على الأقل، وانه لن يوصد أي باب يفضي الى هذا الموضوع الحساس.
وتفصيلاً، تشير المصادر اياها الى ان ثمة عرضاً اميركياً مختلفاً هذه المرة وصل الى الحزب عبر طرق وقنوات متعددة فحواه “اننا مستعدون لمناقشة كل ما تتمنون تحقيقه في الداخل من انجازات، في مقابل ان توقفوا حرب إسنادكم لغزة وتبادروا الى تبريد الاجواء الساخنة على الحدود الجنوبية”.
الثابت ان مضمون هذا العرض برز منذ الايام الاولى لإشعال الحزب فتيل المواجهات على الحدود في الثامن من تشرين الاول الماضي، وليس جديدا ان الحزب كان يرد بجواب حصري وهو أن لا مجال لمناقشة أي أمر أو عرض يتصل بالشأن الداخلي قبل ان تتوقف الحرب على غزة، لذا فان كل الامور مرجأة الى ذاك الحين.
لكن الحزب في المقابل شاء ان يرد اخيرا على مَن يراسله بما مفاده انه مستعد لمناقشةٍ مستقبلية لملف الرئاسة الاولى وسواه من ملفات عالقة، وهو ما يراه البعض ترجمة من الحزب لنهج ربط النزاع وعدم تضييع الفرص السانحة عندما تضع الحرب الضارية اوزارها.
وفي هذا السياق، تعرض المصادر اياها لمحضر اللقاء الذي انعقد أخيراً بين مرشح “الثنائي” للرئاسة سليمان فرنجية وبين السفيرة الاميركية في بيروت ليزا جونسون، وهي التي قصدت بنشعي في حينه للتعارف مع زعيم “المردة” والتي كانت بدأت للتو مهمتها سفيرةً لبلادها في العاصمة اللبنانية.
وتذكر المصادر عينها ان فرنجية ابلغ الى ضيفته الآتي:
– انه مرشح جدي وليس في حساباته امكان الانسحاب والعزوف.
– انه وإنْ كان مرشح فريق بعينه فانه ليس مرشح صِدام أو استفزاز لأحد وانه سيكون عند وصوله الى قصر بعبدا رئيساً لكل لبنان.
– استطرادا، انه وإنْ كان مرشح فريق بعينه، فهذا يعني انه يحظى بثقته وانه يشكل ضمانة وعامل اطمئنان له، وبهذه الصفة يكون قادرا على الأخذ والعطاء وتذليل كل العقبات ودفع هذا الفريق الى التنازل إنْ كانت هناك ضرورة وطنية.
ورقة ايجابية اضافية يحملها فرنجية هي علاقته الوطيدة مع قائد الجيش العماد جوزف عون والمبنية على تفاهم حصل بينهما في لقائهما المعلن قبل مدة.
ولم يخفِ فرنجية امام ضيفته ان المواقف التي ادلى بها والتعهدات التي هو مستعد لإعطائها انما تلقى قبولاً من جانب الفريق الذي يحظى بدعمه وبثقته.
أما مضامين ذلك اللقاء فكانت بالنسبة للبعض برنامج عمل وعرضاً متكاملاً لمن يهمه الامر.
واللافت، وفق المصادر اياها، انه بعد هذه الواقعة السياسية تلمّس الحزب اشارات ايجابية ابرزها:
– ثمة مَن نقل لاحقا عن مصادر اميركية ما فحواه ان هناك ضرورة لمجيء رئيس للبلاد لا يكون مستفزا للحزب، بل ان يكون تناغمٌ بينهما لكي يشعر الأخير بالطمأنينة مستقبلاً.
– للمرة الاولى بعد انطلاقها، تطلب الخماسية لقاء كتلة نواب الحزب، فترد الكتلة بالايجاب والترحيب.
الثابت ان أمر الساكن المتوقع في قصر بعبدا لم تُحسم هويته بعد، ولكن ثمة معطيات جديدة يحسبها “الثنائي” نقاطا لمصلحة مرشحه، خصوصا بعد التطورات الدراماتيكية على الحدود الجنوبية.
ابراهيم بيرم – النهار